لكن اختيار الاحتفال بهذا العيد مؤخرا في الثالث من تشرين الاول ، وهو اليوم الذي انضم فيه العراق الى عصبة الامم ، لاقى قبولا لدى البعض ولم يجد تأييدا من البعض الآخر من العراقيين والمختصين، فهل كان ترشيح وزارة الثقافة له موفقا ؟
آراء مؤيدة
يوضح الخبير القانوني طارق حرب :" ان اليوم الوطني للجمهورية العراقية هو الثالث من تشرين الاول ، لان السلطة التشريعية الدولية اعتبرت العراق دولة في هذا اليوم وانهت صفته كاقليم خاضع لانتداب ، واصبح تسلسله (57) في عصبة الامم ، اذ صدر قرار مجلس عصبة الامم وقتها بانهاء الانتداب البريطاني ، وهو مايؤكده القانون الدولي الذي اعتبر العراق الدولة (57) في العالم حسب قرار مجلس عصبة الامم الذي كان يعد السلطة التشريعية آنذاك ..
وكيل وزير الثقافة والسياحة والآثار الدكتور نوفل ابو رغيف ،اكد ان وزارة الثقافة تعد هذه الخطوة انجازا وطنيا مميزا في زحمة الظروف المعقدة التي يشهدها العراق انطلاقا من شعور الاحباط المتزايد لدى طبقات واسعة من العراقيين على الصعد المختلفة ، ورغبتهم في استعادة الدولة معالم هيبتها ورفعتها ، منذ التأسيس مروراً بالخراب والحرائق الكبرى التي اشعلتها الحقبة الصدامية وصولاً الى الظروف المعقدة والارهاصات التي احاطت بالعملية السياسية وتداعيات ذلك كله ، فمن غير المنطقي بعد سبعة عشر عاماً من التحول الديمقراطي والتغيير الشامل لبلد عريق مثل العراق ان لا يكون له يوم وطني يمثل عمقه في الاستقلال والحرية والديمقراطية ، اسوةً بالدول الاخرى التي كان العراق يقف في صدارتها .
وبين ابو رغيف :" ان جميع المقترحات والافكار التي قُدمَت بهذا الصدد من مختلف الاطراف ، تحمل قيمةً وطنيةً وتاريخية عليا وهي جديرة بالتبني والاعتزاز ، الا ان الاختيار النهائي يجب ان يحظى باكبر قدرٍ من التأييد واقل قدر من الاختلاف ، وهو ماحظي به التاريخ المذكور الذي صوت عليه مجلس الوزراء ".
ويؤيد الكاتب حسين الذكر ماسبق بقوله :" ان اليوم الوطني هو ماتم تحديده وفقا للقانون الدولي ، لانه الوحيد الذي تتسع مساحة تعبيره لتشمل جميع العراقيين ، اما اذا بحثنا عن ذلك اليوم وفقا للامزجة والاهواء والانتماءات الضيقة والخلفيات السياسية والمذهبية والقومية فلن نجد يوما وطنيا ابدا ".
واخرى معارضة
من جهته ، لايرى الكاتب نجم الساعدي فائدة من دخول العراق في عصبة الامم ، بينما كان العراق يرزح تحت نير الاستعمار البريطاني ، كما ان خروج آخر جندي بريطاني من قاعدتي الحبانية والشعيبة كان في يوم ١٤ تموز ١٩٥٨ الذي تحول العراق فيه من نظام ملكي فاسد الى نظام جمهوري ، وتخلصنا فيه من ملوك مستوردين وخرجنا فيه من حلف بغداد الغاشم، مؤكدا :" ان ١٤ تموز سيبقى اليوم الوطني للجمهورية العراقية ، ولابد من احترام ارادة جماهير الشعب طالما مايزال فيهم عرق ينبض بحب العراق وبالشرف العراقي ونضال شعبه وقادته الاحرار.
اما الكاتب حسين رشيد فيرى :" ان من المفترض ان يكون العيد الوطني اليوم الذي يعبر عن مرحلة انتقالية مهمة في حياة الشعب معبرة عن طموحات الناس ، وتكون واضحة المعالم والدلالات التاريخية والاقتصادية والاجتماعية ، وليست مرحلة تعد اشكالا تاريخياً سياسياً كبيراً خاض فيها الشعب وقواه الوطنية نضالاً طويلاً ضد حقبة حكم عليه العديد من المؤشرات ".
واضاف انه :" يكفي احصاء عدد التظاهرات والانتفاضات والحركات الاحتجاجية ضد الحكم الملكي ، كي تتبين لنا ماهية تلك المرحلة التي يراد ان يكون احد ايامها عيداً وطنياً للبلاد. فخلال تلك الفترة استقالت الحكومة قرابة 40 مرة نتيجة التظاهرات والاحتجاجات على السياسات المتبعة من قبلها ، كما ان بريطانيا تعهدت بتأييد دخول العراق الى عصبة الامم سنة 1932 مع اعلان انتهاء مسؤوليات الانتداب البريطاني فيه بدءاً من دخول العصبة ،لكن هذه المعاهدة جوبهت بالرفض كبقية المعاهدات السابقة من قبل الحركة الوطنية والشعب العراقي، على اعتبار انها قيدت العراق بشروط تناقض الاستقلال التام الذي كان مطلوباً، وان بريطانيا احتفظت بموجبها بامتيازات ومصالح عديدة تعارض كرامة البلاد واستقلالها..
باختصار ...
من جانبه ،يرى الكاتب والصحفي حمزة مصطفى :" ان المبادرة بحد ذاتها نبيلة ومسؤولة، ولكن،في ظل استمرار الجدل لدينا حول كل شئ وعدم حسم مفهوم المواطنة او الهوية الوطنية نتيجة لتغليب الهويات الفرعية ، العرقية والمذهبية والعشائرية والمناطقية والثقافية، على مايمكن عده مفهوما جامعا مانعا للوطنية العراقية ، فان هذا الاقتراح لن يكون حظه بافضل من اقتراحات سابقة ماتت وهي في المهد، بل ربما يفجر جدلا نحن في غنى عنه خصوصا ان هناك المزيد من الآراء بشأن اقتراح مناسبات اخرى عيدا وطنيا للبلاد ، مازالت تبحث عن هوية وطنية موحدة وعابرة للانتماءات ..
كما يرى الباحث واستاذ علم نفس الشخصية فارس كمال نظمي انه في بلد – كالعراق - يعجّ بالعنف السياسي ويشهد اليوم انبثاق جيل تحرري جديد ،يصبح تحديدَ يوم محدد للعيد الوطني امراً عسيراً على الاتفاق، لدى النخب السياسية او لدى عامة الجمهور على حد سواء.فأولاً وقبل كل شيء، نحن بحاجة ماسة لوضع تعريف دقيق لمفهوم "اليوم الوطني" في بلد يبلغ عمر دولته المعاصرة مائة عام فقط، اذا ما اتفقنا لى ان اليوم الوطني يرتبط اعتبارياً وعاطفياً وتنظيمياً ببنية الدولة بوصفها ناظماً لحياة المجتمع: فهل هو يوم للاستقلال؟ ام لانتهاء احتلال؟ ام لاعلان قيام الدولة؟ ام لثورة غيرت البنى السياسية و الاجتماعية؟ ام هو اي يوم آخر يُتفق على شموليته التاريخية ورمزيته الوطنية الجامعة التي تحقق اكبر اتفاق ممكن بين الاطراف والجماعات العراقية؟
لذلك فالمطلوب من اليوم الوطني، في اللحظة السياسية الحالية التي تشهد تفككات ونزاعات ، ان يضمن تكوين توجهات نفسية مستقرة وغير مستفزة حيال ذلك اليوم لدى الغالبية العظمى من الجماعات العراقية، دون شعور بالمظلومية الاثنية، او الاستقواء الايديولوجي، او الاستبعاد المذهبي، او القمع السياسي./انتهى
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليغرام