هذا الواقع العربي المرير وفقدان بوصلة الحل يمنح قمة البحرين قشة من النجاة رغم ضعفها الا انها قد قد تأتى بمخرجات تعزز امال الشارع العربي في مواجهة التطورات المفصلية التى تمر بها المنطقة العربية، لا سيما فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلى على غزة منذ عملية طوفان الأقصى فى السابع من تشرين الاول الماضي .
فمع اشتداد هجوم الكيان الصهيوني على غزة ووصوله الى عمليات إبادة جماعية للشعب الفلسطينى الأعزل بل ومطالبات صهيونية باستخدام السلاح النووي وتأييد امريكي من هذا الطرف او ذاك بما يعزز هذا النهج الاجرامي يرافقه بلا حياء صمت رسمي عربي وكأن مايجري لايمس هذه الامة وشعوبها المغلوبة على امرها وهو ما قد يؤدى إلى اتساع نطاق الصراع وتمدده واندلاع حرب إقليمية شاملة بدت مؤشراتها فى الضربات الإيرانية الإسرائيلية المتبادلة، وإن بدت تحت السيطرة الا انها قد تكون براميل متفجرات قابلة للانفجار بشرارة من هذا الطرف او ذاك .
وارتفاع وتيرة التحديات المعقدة والمتداخلة لهذا الواقع العربي والضاغطة عليه يفرض على قمة البحرين والمشاركين بها من الملوك والرؤساء والامراء اتخاذ قرارات بنّاءة تسهم فى تعزيز التضامن العربي، ودعم جهود إحلال السلام والأمن والاستقرار فى المنطقة التى بدت على مشارف مرحلة جديدة من التغيرات والتحولات الفارقة فى مسيرتها، لذلك يأتى الانعقاد ليتزامن مع العديد من تلك التحديات .
وقد تكون ابرز هذه التحديات سعي الكيان الصهيوني واطماع رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو الذي فاق باجرامه زعيم النازية هتلر لتنفيذ مشروعه التوسعي في اقامة مايسمى اسرائيل الكبرى وما تتبناه حكومته وسعيها لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم كما يحدث فى غزة، وزيادة الاستيطان كما يحدث فى الضفة الغربية.
ولهذا ستكون لقمة البحرين في ظل هذا الظرف العصيب الذي يمر به الواقع العربي أهمية كبرى وحدثاً سياسياً بارزاً له دلالاته من حيث التوقيت في العمل على توطيد وتعزيز العلاقات العربية - العربية وتوسعة آفاقها وخدمة لتطلعات أبنائها وتعزيزًا لأمنها واستقرارها بشكل خاص والمنطقة بشكل عام.
ولابد ان يسهم اجتماع قادة العرب في البحرين بتعميق عرى التعاون والترابط والدفع بآليات العمل العربي المشترك، والإبقاء على تشاور وتنسيق مستمر مع الأشقاء لبحث القضايا ذات الاهتمام والمصير المشترك، وتغليب المصلحة العربية، واستثمار هذا الحدث لرسم مسارات الازدهار لأبناء المنطقة ومستقبلها.
كما لابد ان يسهم هذا الاجتماع العربي في مواجهة مخاطر الأوضاع في غزة، والتي تستوجب من الجميع لم الشمل والتكاتف والوقوف صفاً واحداً تحقيقاً للتضامن العربي المشترك في نصرة قضية العرب والمسلمين التاريخية والأولى، القضية الفلسطينية العادلة باعتبارها قضية هوية وعروبة وتاريخ ودعم حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة .
وفي ظل هذه التحديات ستكون القضية الفلسطينية بندًا رئيسيًا على جدول أعمال القمة العربية، وهو ما أكده الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط فى تصريح له الشهر الماضي من أن القضية الفلسطينية مطروحة على كل اجتماعات الجامعة العربية، وأنه تتم مناقشتها من قِبل العديد من الدول العربية، وقد عبّر عن تلك الأهمية أيضًا السفير حسام زكى، الأمين العام المساعد للجامعة العربية، عندما أشار إلى أن الاجتماع المقبل لمجلس الجامعة سيتطرق إلى تداعيات استمرار الحرب فى غزة .
كما سيتم خلال اجتماعات القمة الاستماع إلى إحاطة معمقة من المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان فى الاراضي الفلسطينية المحتلة / فرانشيسكا ألبانيز/ وبالتالى فإن ملف العدوان الإسرائيلى على غزة والتهديد الإسرائيلى بالاجتياح البرى لمدينة رفح الفلسطينية يتطلب من القادة العرب قدرًا مناسبًا من التنسيق للتوصل إلى موقف عربى موحد يضغط لوقف العدوان الإسرائيلى على غزة بالتشبيك مع القوى الدولية وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التى لا تزال ترفض وفق تصريحات مسؤوليها أى اجتياح لرفح الفلسطينية دون الأخذ فى الاعتبار حال المدنيين الموجودين بها، بالتزامن مع ذلك فإن قضية المساعدات الإنسانية وتنظيم دخولها إلى قطاع غزة الذى يعانى وضعًا كارثيًا تصبح من الملفات المحتمل مناقشتها على جدول أعمال القمة العربية المقبلة بالمنامة.
كما ستشكل الأزمات فى دول الصراعات العربية من القضايا المطروحة بشكل دائم على جدول أعمال القمة العربية، فالأزمة السودانية تدخل عامها الثانى دون وجود أى أفق سياسى لتوقف الحرب الأهلية التى تهدد أمن السودان واستقلاله، ووحدته وسلامته الإقليمية فى ظل صراعات وانقسامات داخلية بين مكونات المجتمع السوداني، بما فى ذلك مكونه العسكرى الأمنى الذى يتجسد فى كيانات عسكرية نظامية وأخرى غير نظامية أدت إلى نزوح ما يقرب من ستة ملايين سودانى داخل السودان وخارجها. لذلك فإن هناك حاجه ملحة لأن يتم احتواء الصراع فى السودان ومنع تمدده إقليميًا لا سيما فى مناطق الجوار الهشة مثل الساحل وجنوب البحر الأحمر، وبالتالى فإن دعم الجامعة العربية للمفاوضات يشكل الأمل لحل الصراع فى السودان، الذى سيعتمد على كيفية التغلب على العقبات الداخلية والخارجية، وتنسيق الجهود الدولية وتلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة للسكان.
وحسب معطيات الواقع العربي لابد ان تشكل الأزمة الليبية أيضًا تحديًا للأمن القومى العربي، بما يجعلها ضمن الملفات المحتملة على أجندة القمة العربية المقبلة، لا سيما أن المبعوث الأممى إلى ليبيا عبد الله باتيلى عبّر عن قلقه مما وصفه باستمرار الجمود السياسى الحالى للأزمة السياسية فى ليبيا، وعواقبه على الوضعين الأمنى والاقتصادى للمواطنين الليبيين، وقد نجحت الجامعة العربية فى عقد لقاء بين الأطراف الرئيسية فى الأزمة الليبية مارس 2024، وبرغم اتفاق رؤساء مجالس: الرئاسى محمد المنفي، والنواب عقيلة صالح، والأعلى للدولة محمد تكالة بمقر جامعة الدول العربية على ضرورة تشكيل حكومة موحدة جديدة تشرف على الانتخابات، إلا أن ذلك التعهد لم يترجم على أرض الواقع بما يحتاج لتجديد دعم جامعة الدول العربية لتشكيل حكومة موحدة تتمكن من الإشراف على الاستحقاقين الانتخابيين، الرئاسى والنيابي.
أما على صعيد الأزمة اليمنية فإن توقيع الاتفاق السعودى الإيرانى باستعادة العلاقات الدبلوماسية سيكون له تأثيرة على التهدئة فى اليمن بين الفرقاء، بما يعطى للجامعة العربيةإمكانية أن تساعد فى دعم الحوار اليمني-اليمني، حتى تتمكن مؤسسات الدولة من القيام بأدوارها وصولًا لتشكيل حكومة وحدة وطنية بعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
كما يمكن ان تشكل الأزمة الإثيوبية الصومالية إحدى القضايا المحتمل أن تطرح على أجندة أعمال القمة العربية لا سيما بعد أن وقّعت إثيوبيا اتفاقًا مع إقليم أرض الصومال – غير المعترف به دوليًا– لإنشاء ميناء تجارى وقاعدة عسكرية فى مدخل البحر الأحمر. وقد أعربت الجامعة العربية على لسان المتحدث الرسمى باسم الأمين العام للجامعة جمال رشدى عن رفض وإدانة أية مذكرات تفاهم تحل أو تنتهك سيادة الدولة الصومالية، كما أكد البرلمان العربى رفضه التام لأى محاولات لانتهاك سيادة واستقلال ووحدة الصومال، مطالبًا إثيوبيا بالإلتزام بقواعد ومبادئ حُسن الجوار، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شؤونها الداخلية، بما يحقق الأمن والاستقرار فى المنطقة. لذلك من المحتمل أن تكون تلك القضية على أجندة القمة المقبلة، لا سيما أن تصريحات الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أكدت أن القانون الدولى والمصالح الدولية يرفضان المنهج الإثيوبى فى فرض سياسة الأمر الواقع على المجتمع الدولي.
اما على المستوى الاقتصادى العربى فإن الأمر يتطلب من قمة البحرين تعزيز التكامل الاقتصادى العربى لخلق فرص تشغيل تتناسب مع حجم تلك الطبقة، لا سيما أن الدول العربية خطت خطوات مهمة نحوه منذ انطلاق منطقة التجارة الحرة العربية التى تستهدف زيادة مستويات التجارة البينية السلعية وإزالة الحواجز الجمركية، وصولًا للاتحاد الجمركى العربى الذى سيستتبعه التفاوض للوصول إلى السوق العربية المشتركة كدرجة أعمق من درجات التكامل الاقتصادى العربي، وهو ما يتطلب أيضًا دعم جهود تنويع الهيكل الإنتاجى للدول العربية.
واخيرا ورغم المرارة التي تحتبس في نفوس العرب على المستوى الشعبي نتيجة عدم ارتقاء قرارات القمم العربية الى مستوى مايطمح اليه الشارع العربي من تطلعات الا انها تبقى حالى ايجابية لابد منها لتعزيز التضامن العربي وايصال رسالة للطامعين بالارض العربية ان العرب امة لابد ان تستفيق من غفوتها مهما تكالبت عليها عواتي الزمن ومحنه ./انتهى
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليغرام